فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{كتاب أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني: أن هذا الكتاب أُنزل إليك يا محمد {فَلاَ يَكُن في صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ} أي: فلا يقعن في قلبك شك منه من القرآن أنه من الله عز وجل.
فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره.
كقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [يونس: 94].
ويقال: {فَلاَ يَكُن في صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ} أي فلا يضيقنّ صدرك بتكذيبهم إياك.
كقوله عز وجل: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ} [الشعراء: 30]
والحرج في اللغة هو الضيق.
ثم قال: {لِتُنذِرَ بِهِ} على معنى التقديم يعني: كتاب أنزلناه إليك لتنذر به أي لتخوف بالقرآن أهل مكة {وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: وعظة للمؤمنين الذين يتبعونك. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ}
قال أبو العالية: ضيق، وقال مجاهد: تَنك، وقال الضحاك: إثمّ، وقال مقاتل: فلا يكن في قلبك شك في القرآن. إنّه من الله، وقيل: معناه لا اطبق قلبك بإنذار من أرسلتك بإنذاره وإبلاغ من أمرتك بإبلاغه إياه {وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي عظة لهم وموعظة، وموضعه رفع مردود على الكتاب.
وقيل: هو نصب على المصدر تقديره ويذكر ذكرى. ويجوز أن يكون في موضع الخفض على معنى لتنذر في موضع خفض، والمعنى الإنذار والذكرى، وأمّا ذكرى فمصدر فيه ألف التأنيث بمنزلة دعوت دعوى ورجعت رجعى إلاّ أنّه اسم في موضع المصدر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني القرآن.
{فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} وفي الحرج هاهنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الضيق، قاله الحسن، وهو أصله.
قال الشماخ بن ضرار:
ولو ردت المعروف عندي رددتها ** لحاجة لا العالي ولا المتحرج

ويكون معناه: فلا يضيق صدرك خوفًا ألا تقوم بحقه.
والثاني: أن الحرج هنا الشك، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي. قال الراجز:
آليت لولا حرج يعروني ** ما جئت أغزوك ولا تغزوني

ومعناه: فلا تشك فيما يلزمك فيه فإنما أنزل إليك لتنذر به.
والثالث: فلا يضيق صدرك بأن يكذبوك، قاله الفراء.
ثم قال: {لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فجعله إنذارًا للكافرين وذكرى للمؤمنين ليعود نفعه على الفريقين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {كتاب أنزل إليك} الآية، قال الفراء وغيره {كتاب} رفع على الخبر للحروف، كأنه قال هذه الحروف كتاب أنزل إليك، ورد الزجّاج على هذا القول بما لا طائل فيه، وقال غيره: {كتاب} رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب و{أنزل إليك} في موضع الصفة ل {كتاب}، ثم نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرم أو يستصحب من هذا الكتاب أو بسبب من أسبابه حرجًا، ولفظ النهي هو للحرج ومعناه للنبي عليه السلام، وأصل الحرج الضيق، ومنه الحرجة الشجر الملتف الذي قد تضايق، والحرج هاهنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر، وبحسب سبب الحرج يفسر الحرج ها هنا، وتفسيره بالشك قلق، والضمير في {منه} عائد على الكتاب أي بسبب من أسبابه، ومن هاهنا لابتداء الغاية، وقيل يعود على التبليغ الذي يتضمنه معنى الآية، وقيل على الابتداء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التخصيص كله لا وجه له إذ اللفظ يعم الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله وذلك يستغرق التبليغ والإنذار وتعرض المشركين وتكذيب المكذبين وغير ذلك.
وقوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه} اعتراض في أثناء الكلام، ولذلك قال بعض الناس إن فيه تقديمًا وتأخيرًا، وقوله: {لتنذر} اللام متعلقة ب {أنزل}. وقوله: {وذكرى} معناه تذكرة وإرشاد، و{ذكرى} في موضع رفع عطفًا على قوله: {كتاب}. فالتقدير هذه الحروف كتاب وذكرى، وقيل رفعه على جهة العطف على صفة الكتاب فالتقدير هذه الحروف كتاب منزل إليك وذكرى، فهي عطف على منزل داخلة في صفة الكتاب، وقيل {ذكرى} في موضع نصب بفعل مضمر تقديره لتنذر به وتذكر ذكرى للمؤمنين، وقيل نصبها على المصدر وقيل {ذكرى} في موضع خفض عطفًا على قوله: {لتنذر} أي لإنذارك وذكرى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كتاب أُنْزِلَ إليك} قال الأخفش: رفع الكتاب بالابتداء.
ومذهب الفراء: أن الله اكتفى في مفتَتَح السور ببعض حروف المعجم عن جميعها، كما يقول القائل: أ ب ت ث ثمانية وعشرون حرفا؛ فالمعنى: حروف المعجم: كتاب أنزلناه إليك.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يرتفع الكتاب باضمار: هذا الكتاب.
وفي الحرج قولان:
أحدهما: أنه الشك، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن قتيبة.
والثاني: أنه الضيق، قاله الحسن، والزجاج.
وفي هاء {منه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الكتاب؛ فعلى هذا، في معنى الكلام قولان:
أحدهما: لا يضيقنَّ صدرك بالإبلاغ، ولا تخافنَّ، قاله الزجاج: والثاني: لا تشُكَنَّ أنه من عند الله.
والقول الثاني: أنها ترجع إلى مضمر، وقد دل عليه الإِنذار، وهو التكذيب، ذكره ابن الانباري.
قال الفراء: فمعنى الآية: لا يضيقنَّ صدرك إن كذبوك.
قال الزجاج: وقوله تعالى: {لتنذر به} مقدَّم؛ والمعنى: أُنزل إليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وذكرى} يصلح أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض؛ فأما النصب، فعلى قوله: أُنزل إليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين أي: ولتذكِّرَ به ذكرى، لان في الإنذار معنى التذكير.
ويجوز الرفع على أن يكون: وهو ذكرى، كقولك: وهو ذكرى للمؤمنين.
فأما الخفض فعلى معنى: لتنذر، لأن معنى {لتنذر} لأن تنذر؛ المعنى: للانذار والذكرى، وهو في موضع خفض. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {حَرَجٌ} أي ضِيق؛ أي لا يضيق صدرك بالإبلاغ؛ لأنه رُوي عنه عليه السلام أنه قال: «إني أخاف أن يَثْلغُو رأسي فيدعوه خبزَة» الحديث. خرّجه مسلم.
قال إلكِيا: فظاهره النهي، ومعناه نفي الحرج عنه؛ أي لا يضيق صدرك ألاّ يؤمنوا به، فإنما عليك البلاغ، وليس عليك سوى الإنذار به من شيء من إيمانهم أو كفرهم، ومثله قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} [الكهف: 6] الآية.
وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3].
ومذهب مجاهد وقتادة أن الحرَج هنا الشك، وليس هذا شك الكفر إنما هو شك الضيق.
وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر: 97].
وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمّته.
وفيه بعدٌ.
والهاء في {مِنْهُ} للقرآن.
وقيل للإنذار؛ أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.
فالكلام فيه تقديم وتأخير.
وقيل للتكذيب الذي يعطيه قوّة الكلام.
أي فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيب المكذبين له.
الثانية: قوله تعالى: {وذكرى} يجوز أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض.
فالرفع من وجهين؛ قال البصريون: هي رفع على إضمار مبتدأ.
وقال الكسائيّ: عطف على {كتاب}.
والنصب من وجهين؛ على المصدر، أي وذكِّر به ذكرى؛ قاله البصريون.
وقال الكسائي: عطف على الهاء في {أنزلناه}.
والخفض حملًا على موضع {لِتُنْذِرَ بِهِ}.
والإنذار للكافرين، والذكرى للمؤمنين؛ لأنهم المنتفعون به. اهـ.